البحر المسجور أهمية خاصة.
ما هي إذن الأهمية الخاصة للبحر المسجور؟
الماء والنار مادتان غير متوافقتين، حيث إن المياه تطفئ النيران والنار تُغْلِي المياه وتتسبب في تبخرها. كيف إذن يمكن لبحر مليء بالمياه أن يتوقد نارًا؟
بسبب هذا التناقض علق المفسرون الأولون على هذه الآية بأنها تشير إلى ما سيحدث يوم القيامة اعتمادًا على آية أخرى تعطي نفس هذا المعنى، وهي الآية السادسة من سورة التكوير "وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ".
ومع ذلك فإن سياق الكلام الذي يظهر فيه هذا القسم وخمس آيات قبله يدل على وقائع تظهر في حياتنا الحالية، وبالتالي سعى المفسرون للوصول إلى معنى لغوي لكلمة مسجور غير معنى "إشعال النار". من ضمن المعاني التي اشتقت من هذه الكلمة المعنى الآتي: "البحر المليء بالماء والذي يتم حجزه عن التعدي على القارات المجاورة"، وهذا المعنى صحيح إذ إن أكبر كمية توجد على الأرض حاليًا من المياه العذبة والتي تمثل 77% من كل المياه الموجودة على البر محجوزة على هيئة ألواح ثلجية سميكة للغاية موجودة بالقطبين الشمالي والجنوبي، بالإضافة إلى الثلوج التي تغطي قمم الجبال الشاهقة، إذابة هذا الكم الهائل من الثلوج لا يحتاج إلا إلى زيادة من 4 - 5 درجات مئوية في درجات حرارة الجو عن معدلاتها الطبيعية في فصل الصيف، وإذا حدث ذلك سيرتفع مستوى المياه في المحيطات والبحار أكثر من 100 متر عن مستوياتها الطبيعية، مما سيؤدي إلى إغراق أغلب الأراضي التي يقطنها الإنسان حاليًا.
ومع أن هذا المعنى صحيح فقد اكتشف علماء الجيولوجيا مؤخرًا أن جميع المحيطات وبعض البحار مثل البحر الأحمر وبحر العرب متوقدة بالفعل، في حين أن بحارًا أخرى مثل البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود وبحر قزوين ليست كذلك.
كما ذكرنا في حلقة سابقة فقد تم رصد أكثر من 64000كم من الارتفاعات المنتصف محيطية MID - OCEAN RIDGES الواقعة حول الوديان المتصدعة في منتصف المحيط MID - OCEAN RIFT VALLEYS، تتكون هذه الارتفاعات في قاع المحيط من صخور بازلتية بركانية تتصبب من المناطق المتصدعة المحيطية OCEANIC RIFT ZONES عند درجات حرارة تفوق الألف درجة مئوية تُكَوِّن هذه القوة البركانية المحيطية الهائلة الارتفاعات المنتصف محيطية وتتسبب في امتدادها جانبيًّا LATERAL SPREAD والذي يعرف بظاهرة امتداد قاع المحيط SEA – FLOOR SPREADING.
تتكون ألواح جديدة من القشرة المحيطية على جانبي المناطق المتصدعة بسبب التصبب المستمر للبازلت الجديد، تنشأ البركانية المنتصف محيطية من بركانية صدعية FISSURE VOLCANISM والتي تنشأ من الشبكات الصدعية المنتصف محيطية،حيث تتصدع قشرة قاع المحيط وحيث تدفع الصهارة MAGMA بالجوانب المتقابلة للمنطقة المتصدعة جانبًا.
يتصبب البازلت على هيئة انفجارات وسيلانات على طول محور الارتفاع المحيطي،وتتغذى هذه الانفجارات والسيلانات البازلتية من غرف صهارة ثانوية موجودة أسفل منتصف الارتفاع المنتصف محيطي.
يتكون البازلت الموجود على سطح القشرة المحيطية في قاع المحيط، والذي يبلغ سمكه في المتوسط 7 كيلو متر تقريبًا من الآتي من أعلى إلى أسفل: من صفر إلى واحد كيلو جرام من الرواسب
1 كم من وسائد الحمم البازلتية PILLOW LAVA BASALTS
5 كم من الجدّات الموازية من الجابرو (وهي أجسام منبسطة من الصخور البركانية قائمة بين طبقتين من مقذوفات البراكين) التي تتغذى من خنادق.
تنتج عدة ظواهر بعد الانفجارات البركانية نتيجة تفاعل المياه الجوفية مع الصخور الحامية المدفونة التي تتضمن:
1 - تكوين ينابيع حامية HOT SPRINGS نتيجة تسخين المياه الجوفية وتمعدنها بسبب وجود الصخور البركانية بها.
2 - تكوين حمَّات GEYSERS التي هي انفجارات دورية لمياه مغلية تزيد درجات حرارتها عن 200 درجة مئوية تنتج عن دورانها مع مياه وفية في غاية السخونة موجودة بالأعماق والتي هي متلامسة مباشرة مع الصخور الحامية، التي تزيد درجات حرارتها عن الألف درجة مئوية.
3 - المنافذ البركانية FUMAROLES التي هي منافذ للأبخرة المتشبعة بـثاني أكسيد الكبريت و كبريتيد الهيدروجين والهيدروكلوريد و الهيدروفلوريد
4 - المنافذ الكبريتية التي هي منافذ بركانية غنية بمركبات الكبريت.
معظم النشاط البركاني القائم حاليًا في قيعان البحار والمحيطات مستمر منذ ما بين 20 إلى 30 مليون سنة مضت، وبعض ذلك النشاط البركاني مستمر منذ أكثر من 100 مليون سنة (مثل الذي في جزر الكاناريا)، وأثناء هذه الفترة الطويلة من النشاط البركاني تم دفع المخاريط البركانية تدريجيًّا مئات الكيلومترات عن حرف اللوح المحيطي الدائم التجدد، وبالتالي بعدت المخاريط البركانية عن جسم الصهارة المغذي لها، وبالتالي اختفت تدريجيًّا، ويحتوي قاع المحيط الهادي الحالي على عدد ضخم من الفوهات البركانية المغمورة بالمياه والمكبوتة بالإضافة إلى عدد كبير من البراكين ذات النشاط العنيف.
نفهم من المناقشة السابقة أن جميع المحيطات والبحار التي تتعرض لظاهرة امتداد قيعانها متوقدة بالفعل في حين أن البحار التي بدأت في الانغلاق ليست متوقدة.
هذه النيران في قاع المحيط موجودة على هيئة سيلانات بازلتية غاية في السخونة وقذائف الصهارة المتصببة من شبكات الوديان المتصدعة التي تشق طبقة الليثوسفير للكرة الأرضية.
تجري هذه التصدعات لعشرات الآلاف من الكيلو مترات حول الكرة الأرضية في جميع الاتجاهات لأعماق ما بن 65 إلى 150 كيلو مترا؛ لتوصل ما بين قاع المحيطات والبحار وطبقة الأثنوسفير البلاستيكية شبه المصهورة والشديدة السخونة وبالتالي فإن قيعان المحيطات والبحار هذه متوقدة بالفعل.
هذه الحقيقة المدهشة لم يتوصل إليها بالعلم الحديث إلا في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، وبالتالي فإن سبق القرآن الكريم لهذه الحقيقة المدهشة والمدفونة في قيعان المحيطات خير دليل على طهارة وصدق مصدر هذا الكتاب الكريم